يصر الرئيس مبارك علي أن يضعنا بين شقي الرحي إما أن يناقش مجلس الشعب قانون مكافحة الإرهاب في ساعتين تلاتة أو في يومين وليلتين قبل 31 مايو الحالي، وإما أن يأمر مجلسه بأن يمد قانون الطوارئ للسنة الثامنة والعشرين في حكمه، طيب فيها إيه لو انتهي العمل بقانون الطوارئ نهاية هذا الشهر ومن غير ما يفرض علينا الرئيس قانونًا لمكافحة الإرهاب يقوم مقام الطوارئ وألعن، فيها إيه لو مصر عاشت فترة من الوقت بدون قانون طوارئ أو إرهاب، ألسنا مثل بقية خلق الله في العالم كله وطنًا ممكن يستمر ويستقر من غير قوانين استثنائية، ألسنا مواطنين مثلنا مثل غيرنا يمكن أن تحكمنا قوانين عادية طبيعية ليست معمولة من أجل أيام الحروب والمجاعات والثورات، هل يظن مبارك أننا شعب لا يمكن أن يحكمه بدون هذه الترسانة المسلحة من القوانين التي تعطي نظام السيد الرئيس الحق في التنصت علي الناس واعتقالهم بدون حسيب ولا رقيب، إذا كان الرئيس يقول إن مصر بلد مستقرة بفضل حكمته ورعايته، فلماذا إذن يحتاج إلي قانون الطوارئ كي يحكم بلدًا مستقرة وإذا كان فعلاً في حاجة ماسة ومسيسة لهذا القانون يبقي لنا حق نذبهل، فلا يوجد بلد محترم في الدنيا يقول عن نفسه «مستقرًا» يلجأ إلي قانون طوارئ!! ثم هل نسي الرئيس أن في مصر فعلاً قانونًا لمكافحة الإرهاب منذ منتصف التسعينيات؟ ماله ده، ما تعملوا به وبمواده أم أنها لا تتسع لكل ما يريده نظام بوليسي عايز يطيح في البلد بلا رادع ويعمل ما بداله بلا محظورات قانونية، ثم من قال إن قانون الطوارئ حمي مصر، أبدًا، هذا القانون لم يمنع انتشار الإرهاب المسلح في مصر حتي 1996حين خرجت مبادرة نبذ العنف عقب الحادث الإرهابي الأفظع في معبد الأقصر، ثم مع إعلان تحالف أيمن الظواهري مع أسامة بن لادن وإنشاء تنظيم القاعدة الذي تبني الإرهاب ضد أمريكا وإيقاف عمليات الإرهاب الموجه للحكومات والنظم والمسئولين العرب، وحين قرر الإرهابيون العودة لهذه الأعمال البشعة في مصر مرة أخري عادوا بها في ظل قانون الطوارئ نفسه، حيث نفذوا عمليات في طابا وسيناء لم يمنعها قانون الطوارئ، فالشيء الوحيد الذي نجح فيه الطوارئ هو إطلاق يد وزارة الداخلية ضد معارضي الرئيس مبارك الذين لم يرفعوا يومًا ولن يرفعوا رصاصة في مواجهته ربما يرفعون أقلام رصاص لكن ليس رصاصًا أبدًا، قانون الطوارئ الذي يستخدمونه كما يزعمون لمواجهة تهريب المخدرات والإتجار فيها سمح العام الماضي فقط كما ذكرت تقاريرهم ذاتها بأن تستهلك مصر بسبعة وثلاثين مليار جنيه مخدرات، كان فين الطوارئ ساعتها، كان في المحلة وفي شارع عبدالخالق ثروت وأمام نادي القضاة يتم استخدامه ضد معارضي مبارك وجمال مبارك من أول قيادات الإخوان وكفاية وحتي شباب الـ«فيس بوك»!! هذا القانون (طوارئ أو إرهاب مكافحة الإرهاب) الذي يقدمه نظام الرئيس مبارك شرطًا لحياة مصر وبقاء البلد هو قانون الرئيس مبارك الحقيقي الذي حكم به كل ساعة ودقيقة في حياة حكمه، ويبدو أنه لا يستطيع أن يستغني عنه لدرجة أنه يمنعنا من ثلاثة أو أربعة أو ستة أشهر وربما أكثر، نناقش خلالها ونبحث ونختلف ونتفاهم ونتجادل علي مواد قانون مكافحة الإرهاب حتي يأتي محترمًا وضامنًا للحرية والعدالة بلا اجتراء علي حقوق الناس وألا يصدر مشوهًا مشوشًا مخالفًا لمواد الدستور، لهذه الدرجة لا يستطيع الرئيس مبارك وحكمه ونظامه وبوليسه وداخليته وحزبه الاستغناء عن قانون استثنائي يلجم حريات الناس ويطلق أيدي الأجهزة الأمنية تعبث في مصائر المواطنين وتدوس علي القانون بالقانون وتستخدم القضاء للقضاء علي الحريات والتضييق علي حركة المواطن في مواجهة غشم وظلم الدولة ورجالها، يبدو أن الرئيس مبارك لم يعد قادرًا علي ضبط الوطن إلا باستخدام الحديد والنار.. حديد عز ونار الطوارئ!