مسخرة سوف نشهدها خلال الأيام القادمة، لا تليق إلا بوطن مثل مصر تحكمه حكومة عشوائية، ومجموعة من الطغاة المرتبكين والموظفين الذين يعيشون علي نفاق رؤسائهم، واربط الحمار مطرح ما يعوزه صاحبه، وحين يتردد صاحبه وحين يحتار صاحبه وحين لا يعرف صاحبه ماذا يحتاج بالضبط وفي أي جهة يريد أن يربط الحمار، فإن كل رابطي الحمير تصيبهم حالة شلل وزغللة وتردد وحيرة منتظرين القرار في ربط الحمار!..
خلال أيام سوف تصحو مصر صباحًا من نومها لتجد كل فسل (والفسل هو ذكر النخل الذي لا يبلح) يروج حججًا وتبريرات وأغاني شعبولاية ويرددها معه وزراء ومسئولو الحزب وكتبة الوحي الرئاسي ترويجًا وتسويقًا لقرار يصدر من أعضاء الحزب الوطني في مجلس الشعب تحت جنح الظلام، أو في غبشة الفجر بمد العمل بقانون الطوارئ دفاعًا عن مصر من المتربصين بها والمأجورين والمأفونين وعملاء أمريكا وإيران (معًا!!)، ولأن السادة في الحزب الوطني، ومن لف لفهم يعرفون مصلحة مصر أكثر من مصر نفسها، فيؤكدون أن من مصلحة مصر وشعبها أن يستمتع للعام الثامن والعشرين، في ظل الرئيس مبارك بقانون الطوارئ، حيث لم يحكم الرئيس مبارك نصف ساعة واحدة ــ علي مدي عمر رئاسته الطويل ــ بدونه، تخيلوا، الرئيس مبارك تقريبًا هو الرئيس الوحيد في العالم الذي عاش كل دقيقة وثانية ولحظة من رئاسته تحت ظل قانون الطوارئ، وهو أمر يجعلنا نسأل: طوارئ إيه دي اللي تقعد 27سنة، نفهم أن الطارئ، شيء مفاجئ يطرأ في يوم في شهر في سنة ثم تهدأ الجراح وتنام، لكن طوارئ الرئيس مبارك أطول من الأيام، وتكاد تشعر أن الطوارئ في عصر مبارك كالماء والهواء والسحابة السوداء، أشياء لا تزول، حتي ظننت أن الشعب المصري هو شعب طارئ وليس مستقرًا في هذه الأرض آلاف السنين، ولم يبلغ فيها الحكم البوليسي الطارئ ما بلغه أبدًا في هذا العصر، فالأمن يدير مصر الآن، كما لم يدرها في أي عصر، لقد تضخمت ميزانية البوليس من ثلاثمائة مليون جنيه عام 1981 إلي تسعة مليارات جنيه في 2006،(وزاد ت وتزيد) ثم إن أكبر عدد للعاملين في أجهزة الدولة هم الضباط والعساكر والمخبرون والموظفون المدنيون في وزارة الداخلية (في الترتيب بعد وزارة التعليم ) كما تم تسليح وزارة الداخلية كأنها جيش داخل الدولة، وتزودت بأحدث أجهزة التنصت والتجسس كأنها جهاز مخابرات، ثم تحكم البوليس في كل مناحي الحياة المدنية، ويتدخل في كل شيء، وصارت الطوارئ هي حياتنا كلها، وبات عصر الرئيس مبارك أزهي عصور الأمن المركزي، وصار الرئيس هو باني مصر الحديثة وسجون مصر الحديثة ومقار أمن الدولة الحديثة، ورغم الغرام والهيام والتعلق العاشق بين النظام والطوارئ حتي إنه مش طايق بعدها، إلا أنه قد تفاجأ مصر كلها عن بكرة أبيها وأمها وخالتها (الحاجة إصلاح) أن مجلس الشعب الموقر أدام الله فضله وأعز الله عزه لن يناقش مد الطوارئ، وقرر مد الشعب علي رجليه بأن يناقش في جلسة طارئة(..) قانون مكافحة الإرهاب، ولأن الإرهاب واقف علي باب مصر وبيخبط عشان يدخل، فيقف دكاترة التبرير والتمرير خلف الباب وهم يصرخون علي النواب لازم فورًا حالاً نوافق علي قانون مكافحة الإرهاب أحسن خلاص ح يكسَّر الباب ويدخل، إلحقوا مصر، إلحقونا، هوه أنتو لسه ح تناقشوا، وسيسارع النواب ويناقشون مكافحة الإرهاب في ست سبع ساعات مع صيحات فظيعة شنيعة من كام عضو من المعارضة لزوم ما يلزم، ثم يتدخل دكتور سرور بمنتهي السرور ويطلب التصويت علي قانون مكافحة الإرهاب، فيصفق بالموافقة ــ القاعد والقائم والجالس والواقف ــ وفي ساعة زمن يا حلو يكون قانون مكافحة الإرهاب قد كان!