أستأذنكم في الدفاع عن المتطرفين، ثم أنا طمعان في سعة صدركم، لأنني سأدافع عن الإرهابيين، فالمفاجأة التي قد تدهش حضراتكم أن للمتطرفين حقوقًا، وكذلك فالإرهابيون لهم حقوق يتوجب أن ندافع عنها، ونطالب نظام الطوارئ الذي يحكمنا منذ 27 عامًا باحترامها. فمن المخجل المخزي أن يخرج علينا ساسة وسادة ينددون بالولايات المتحدة وما تفعله في معتقل جوانتانامو بعشرات المعتقلين المسلمين، بينما نضع حذاءً في فمنا ونسكت عما يجري في معتقلات السيد الرئيس وحكمه ونظامه وطوارئه!
علي الأقل أمريكا تعتقل أغرابًا وأجانب، وتمارس ضدهم تصرفاتها البشعة، بينما نحن نعتقل بني جلدتنا وأولادنا وجيراننا ومسلمينا الموحدين بالله، ونرتكب في حقهم أسوأ مما يجري في جوانتانامو، ولعلنا جميعًا نشعر بالفضيحة حين تكشف أجهزة الإعلام الأمريكية نفسها عما جري في سجن أبوغريب من تعذيب الجنود الأمريكان للمعتقلين العرب هناك، بينما تخرس كل الأجهزة الإعلامية العربية والمصرية عن تعرية وكشف فضائح السجون والمعتقلات العربية، وحين تكشف مؤسسات ودول ومنظمات حقوق الإنسان الدولية عن ترحيل المخابرات الأمريكية لمعتقلين عرب ومسلمين كي يتم تعذيبهم في مصر والأردن وسوريا لانتزاع الاعترافات منهم ثم إعادتهم إلي أمريكا، فإذا بهذه المأساة لا تحرك أحدًا، لأن كثيرين منا أغلقوا ضمائرهم للتحسينات ربما أو لتغيير النشاط!
مصر بطوارئها ووزارة داخليتها وحزبها الحاكم تمارس جريمة ضد الإنسانية وسط صمت رهيب من مجتمع يداري عجزه بسلبيته، ويخفي جبنه في سكوته، الحاصل أن في معتقلات مصر عشرات الآلاف من المعتقلين يرفض وزير الداخلية الكشف عن عددهم أصلاً، ويرجح البعض أن عددهم بلغ أكثر من عشرين ألفًا، معظمهم وغالبيتهم معتقل من 14عامًا ومن عشرة أعوام بلا محاكمات، ولا حتي تم عرضهم علي أي محكمة عادية أو استثنائية أو حتي عسكرية، وبعضهم صدر له أمر اعتقال بعد انقضاء مدة الحكم عليه في السجن، ومع ذلك لم يتم الإفراج عنه، وتتتالي قرارات اعتقاله بلا توقف وبلا تردد، وسأفترض أنهم جميعًا ــ فردًا فردًا ــ متطرفون وإرهابيون بصرف النظر عن يقيني الكامل المستند لعشرات المقابلات مع أمهات وآباء المعتقلين ولجميع الدراسات والأبحاث التي قام بها عدد من مراكز حقوق الإنسان والدفاع عن السجناء في مصر، وتؤكد أن المعتقلين في غالبيتهم تم اعتقالهم علي الشبهة وبتوسيع دائرة الاشتباه وبناء علي ضابط يريد أن يظهر لرؤسائه شطارته وأعرف من تم القبض عليه من المساجد أثناء الصلاة، لأنه كان يصلي خلف إمام مراقب أو بجوار مصل مشتبه فيه، ومع ذلك سأفترض أنهم جميعًا متطرفون نزلوا من بطن أمهاتهم متطرفين ينادون بأفكار المودودي والظواهري، ورغم ذلك فهذا لا يسمح للنظام بانتهاك حقوقهم، ولا بأن يسجنهم ويرميهم في جب عميق وسجون وزنزانات بشعة وحقيرة وغير إنسانية ويتعرضون لأفظع عمليات التعذيب والانتهاك والقهر ومحو الآدمية، ولا يوجد مبرر في العالم لا أمن مبارك ولا أمن أي مواطن في مصر يبرر ما يحدث لهؤلاء الضحايا، افرض يا أخي متطرفين وانضموا لجماعات وتنظيمات متطرفة وقبضتم عليهم بدليل واضح، طيب ما يروحوا محكمة عادلة يتحاكموا أمامها، وافرض اتحاكموا في محكمة نصف عادلة أو ربع عادلة وصدرت ضدهم أحكام وخلاص قضوا المدة ما يخرجوا، حقهم إنهم يخرجوا. العدل والضمير والدين والإنسانية تقول يخرجوا غصبًا عن عين أبو التخين، هذه ليست منحة بل حق، حتي ولو أصروا علي تطرفهم، فطالما هي مجرد فكرة في أذهانهم ولم تتحول إلي فعل إرهابي فهم أحرار، نعم أحرار حتي لو خرجوا بكرة الصبح، وقالوا إن الدولة دي ــ حكامًا ومحكومين ــ كفرة برضه حقهم يخرجوا، لا يمكن أن نقبل أن يتحول نظام حكم إلي نظام يبحث عن الانتقام وليس عن العدل، نعرف أن العين بالعين والسن بالسن إنما محدش قال إن العين بخزق العيون وقطع الرقاب، وإن السن ليس بالسن بل بالاعتقال والتعذيب مدي الحياة. ما يحدث من حكم مبارك هو شعور بالذعر والرعب من مجموعة شبان أدخلتهم الداخلية في السجون حتي صاروا كهولاً ومرضي بشتي أمراض الدنيا، ومع ذلك هذا النظام الذي يملك قطعة بلاستيك مكان ضميره مشغول بالانتقام من هؤلاء المواطنين وليس بإعطائهم حقهم في الحرية، أي أمان أو أمن هذا؟! وأي استقرار مزعوم علي حساب عشرات الآلاف من العائلات المصرية الفقيرة والغلبانة التي تعيش بلا عائل نتيجة سجن رجالها وأبنائها، هؤلاء المعتقلون ــ وأتحدي حالفًا بالله العظيم ثلاثة ــ أن ليس فيهم أبناء أغنياء وأثرياء وأولاد عائلات معروفة، بل هم أبناء الغلابة الفقراء الذين تنكل بهم الدولة وتتعافي وتفتري عليهم لأنهم بلا نصير ولا ظهير، تري مئات الأمهات وهن يتعذبن كل شهر في السفر مئات الكيلوات لزيارة أبنائهن المعتقلين، وملعون أبو الظلم الذي يجعل والدة معتقل تبكي لأنها تطلب فقط أن ينتقل ابنها لسجن دمنهور بدل الواحات عشان يبقي قريبا منها وتعرف تزوره. الست فقدت الأمل في أن يخرج ابنها من المعتقل بعد خمسة عشر عامًا، وكل اللي بتطلبه من ربنا يتسجن جنبها، وتقولي جوانتانامو، آباء فقدوا أبصارهم حزنًا علي عيالهم المخطوفين من أحضانهم من عشر وخمستاشر سنة وتقولي أبوغريب، أطفال كبروا وصاروا شبابًا ومراهقين ولم يروا آباءهم إلا وراء أسوار المعتقلات، يتنقلون خلفهم من سجن لسجن، ومن معتقل لمعتقل بقلوب مكسورة لا تعرف بأي ذنب يستمر سجن آبائهم.
لم يعد هناك لديَّ أي أمل أن أخوِّف أي مسئول بالله، فإنهم يارب لا يخافونك، فأرنا ماذا أنت فاعل؟