لمسه حب وصدق
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
لمسه حب وصدق

frinds 4 ever
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  دخولدخول  التسجيلالتسجيل  

 

 من الباشا سعد زغلول الى الدكتور محمود اباظه

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
التهمجى

التهمجى


عدد الرسائل : 138
تاريخ التسجيل : 23/03/2008

من الباشا سعد زغلول الى الدكتور محمود اباظه Empty
مُساهمةموضوع: من الباشا سعد زغلول الى الدكتور محمود اباظه   من الباشا سعد زغلول الى الدكتور محمود اباظه Icon_minipostedالثلاثاء يونيو 03, 2008 1:34 pm

من الباشا سعد زغلول الى الدكتور محمود اباظه B01
دخلت "النيابة العامة" بناية حزب "الوفد" الرئيسية، قصر بدراوي عاشور بضاحية الدقي الراقية في الجيزة بناء على بلاغ من رئيس الحزب (المخلوع) المحامي والقانوني نعمان جمعة.
دونت النيابة ملاحظاتها في المحضر، وسجلت تفاصيل الحالة داخل المقر الرئيسي، غير أن حالة د.نعمان لم تتغير. "يبقى الوضع على ما هو"، فرئيس الحزب المخلوع صار ممنوعا حتى من دخول المقر، وممنوعاً، بالطبع، من الترشح لانتخابات الحزب المقبلة خلال أسابيع والتي ستسفر عن اختيار رئيس جديد لـ"الوفد" بعد ان صدر بحق نعمان قرار من رأس الحزب "الهيئة الوفدية العليا"، يقضي بفصله من الحزب لا بإخلاء منصب الرئاسة منه وحسب!
وبصرف النظر عما تنطوي عليه الأيام المقبلة من تصعيدات في الموقف أو تغيرات في المشهد "الوفدي"، فإن "الوفد" بهذه الحلقة الجديدة من الانقلابات، إنما يستكمل تاريخاً طويلا من الانشقاقات التي طالت صفّه من وقت إلى وقت، على مدار عمره البالغ ثمانية وثمانين عاما (تأسس في 1918).
فوجئ البعض بالانشقاق الذي أطاح د. نعمان جمعة وأتى بنائبه محمود أباظة الذى ينتمى لاحدى العائلات الوفدية العريقة (اباظة) رئيسا موقتاً للحزب، ريثما تعقد الانتخابات داخل الوفد والتي ستأتي بزعيم جديد لـ"الوفد"، يقوده في مرحلة يصفها العارفون بالمشهد السياسي المصري بأنها تشكل تحديا واضحا لهذا الحزب، وامتحانا حقيقيا لمبادئه ـ عموماً ـ في الشارع المصري!
المفاجأة التي عقدت ألسنة البعض، ربما كان وراءها جهل بتاريخ هذا الحزب المليء بالانقلابات والانشقاقات، والتحالفات والتراجعات. وكان طبيعياً أن يجهل من لا يعرف هذا التاريخ حقيقة باتت واضحة في الشهور الأخيرة، من أن رئيس "الوفد" راحل لا محالة، مثلما كان طبيعيا ألا يندهش المراقبون وقراء التاريخ، من رحيله!
على أية حال، فإن مشهد رحيل جمعة ـ الذي بدا للبعض مفاجئاً ـ ليس هو مربط الفرس في قصة الوفد في الثقافة السياسية المصرية، ولكنه لا يخلو من ملامح جاذبة للأنظار، ربما لاكتمال عناصر الدراما المشوقة فيه. فرئيس الحزب يشِّهر بالحزب، ويتهم نفرا من اقطابه بالخيانة للوفد والعمالة لواشنطن وانهم يدبرون بليل مع السفير الاميركي في القاهرة تشارلز دوني لاطاحة نعمان من الوفد عبر انقلاب صاغته الاستخبارات الاميركية!
فى نفس الوقت يطرد جمعة عدداً من صحافي صحيفة الوفد، لسان حال الحزب، بصورة تعسفية، ولا يتوانى عن فصل نائبه القبطي الارثوذكسي ذي الشعبية الموفورة داخل الحزب منير فخري عبدالنور.
بدا جمعة أشبه بأدولف هتلر حين استولى على مقدرات "الرايخ الألماني" فاستبد بها، برغم أنه جاء من خلال صناديق الاقتراع. فجمعة أيضا ظل حياته حقوقيا ومحاميا مرموقا ومدافعا عن حقوق الإنسان، فضلا عن انتمائه الطويل للوفد، وحين ترشح في انتخابات الحزب خلفا لفؤاد سراج الدين (قبل ستة أعوام)، لم يتردد الوفديون في إنجاحه، فإذا به يستبد بمقدرات أعرق حزب سياسي في مصر، ويمارس الليبرالية ـ كأقوال ـ في مواجهة الحزب (الوطني) الحاكم، ولكنه ينسى هذه الليبرالية قبل أن يدخل مقر الحزب كل يوم، فيستبد بقراراته، بل يتجاوز لوائح الحزب ـ وهو رجل القانون بالأساس ـ وربما يتجاوز دستور البلاد كلها بقراراته.
فضلاً عن إخفاقه الكبير في الانتخابات الرئاسية أمام الرئيس مبارك في الحصول على "هزيمة مشرفة"، فجاء مبارك في الترتيب الأول وبعده "أيمن نور" نائب جمعه الذي انشق عنه قبل أربع سنوات وشكل حزب "الغد"، ثم أتى جمعة في الترتيب الثالث بحصيلة مخزية، ربما عجلت بهزه عن عرش الوفد!
من هنا؛ يتندر البعض من أهل السياسة والنخبة المثقفة المصرية بحال "الوفد" على مر تاريخه، قائلين إن تاريخ "الوفد" تاريخ من الانشقاقات، غير أن الجديد هو خلع زعيم الوفد ، فهذا ما لم يحدث قط، فنوع الفيروس الانقلابي "تغير هذه المرة".
لا يعرف القياديون الوفديون طريقا لتطوير فكرهم الليبرالي سوى بتخطي الوضع الوفدي ككل، والخروج من مربع اللعبة كله، والقفز إلى مربع جديد! في كل قفزة لا يتغير الشعار، تجده دائماً "استعادة مبادئ سعد زغلول وثورة 1919" ويبدو أن هذا التاريخ المضيء من ليبرالية "الوفد"، بات يشكل عقدة نظرية عند الوفديين، أكثر من كونه يشكل لهم حافزا للتطوير أو عنصرا لدعمهم شعبياً!
سعد والنحاس
إلى الآن، وعلى العراقة التي يتسم بها تاريخ "الوفد" بوصفه أحد أقدم الأحزاب السياسية في المنطقة العربية كلها، لا يتذكر المواطن العربي من زعامات الوفد سوى "سعد زغلول"، فإن تذكر سواه كان خليفته "مصطفى النحاس"، ولا يتذكر من انتصارات "الوفد" سوى كونه تبنى وأجج ونظم ثورة 1919 الشعبية في مصر!
ومع أن "الوفد" عاد إلى الحياة السياسية في العام 1984 ، ومع أنه ظل في صدارة أحزاب المعارضة المصرية لأكثر من 21 عاماً، إلا أن تاريخه توقف ـ فيما يبدو ـ مع تجميد طاله مع باقي الأحزاب المصرية التي جمدتها ثورة تموز ـ يوليو 1952، في العام 1954.
وعاد "الوفد" بعد 1984، متخذاً اسم "الوفد الجديد"، لتذكير الجماهير فقط بأنه الحزب الذى توقف عن الحياة 30 عاما!! ويعيش على ذكرى "الوفد القديم"، يقوم بتلميعها، واجترارها، وإعادة إنتاجها شعبياً.
ويكمن مجد الوفد في كونه الحزب الذي استمسك ـ من دون مهادنة ـ بأهداب الليبرالية في مصر منذ ما قبل ولادته وإلى اليوم، حتى في أسوأ أحواله. فبرغم أنه يشهد إطاحة لزعيمه وتنصيب آخر جديد مؤقت محله، إلا أن الزعيمين ـ المخلوع والموقت على السواء ـ لا خلاف بينهما على ليبرالية الحزب أو خططه السياسية الداخلية والخارجية حال تشكيله الحكومة المصرية. واستبداد نعمان جمعة كان داخل الحزب فيما ظل خطابه الرسمي ليبراليا تماما خارجه. وما من فارق بينه وبين محمود أباظة إذا ألقى أباظة خطابا اليوم أو غدا في أي تجمع أو ملتقى حزبي. الأفكار والمبادئ الوفدية تتميز عن سائر الأحزاب المصرية بالرسوخ عموما، وبالولاء الليبرالي خصوصا!
توكيلات الباشوات
صار "الوفد" حزب الأغلبية في مصر. وما أن تجرى انتخابات تشريعية حرة ونزيهة، حتى تكون أغلبية مقاعد البرلمان المصري (وكان اسمه وقتذاك مجلس النواب) محسومة للوفد. وشهدت الحياة السياسية المصرية من العشرينيات إلى الثورة 1952 حالة "الكراسي الموسيقية" في تشكيل الحكومات. فما أن يتم تكليف الوفد بتشكيل الحكومة، حتى ينشط الملك والإنجليز وأحزاب الأقلية (كان هذا الاصطلاح يطلق على كل الأحزاب عدا الوفد!)، في الكيد للحزب الأكثر شعبية في البلاد، ليصدر مرسوم ملكي ـ بذريعة أو بأخرى ـ ليسقط الحكومة ويشكل حكومة أقلية، أو ليجري جولة انتخابات برلمانية يتم تزويرها لصالح أحزاب الأقلية المهادنة للملك والاحتلال!
أخذ "المشروع الوفدي" يحقق مأربيه الأساسيين: الاستقلال والديمقراطية، شيئا فشيئا، فأصدر المحتل تصريح 28 شباط ـ فبراير 1922 الذي اعترف بحق مصر في الاستقلال لأول مرة (وإن كان لم ينجزه بصورة مباشرة)، وتم وضع أول دستور ليبرالي متكامل في تاريخ مصر هو "دستور 1923"، الذي كرس لمجيء الأحزاب إلى الحكم على أساس أغلبيتها البرلمانية.
وأكثر من ذلك، إن أول انتخابات تشريعية أجريت وفق دستور 1923 فاز فيها "الوفد" بأغلبية ساحقة، وكان ذلك في أوائل العام 1925. وسرعان ما تآمر الملك عليها وأطاحها عام 1926 ليموت سعد زغلول كمدا في 1927. فدستور 1923 ولد معيبا لأنه منح الملك حق إطاحة الحكومة وحل البرلمان ـ المنتخب ـ في أية لحظة!!
لكن ديباجة دستور 1923 ومعظم بنوده، فضلا عن روحه، هي جميعاً عوامل جعلته وثيقة ليبرالية ناصعة، جعلت مئات الآلاف من المصريين يتظاهرون في العام 1930 ضد حكومة إسماعيل صدقي باشا حين ألغى الدستور قائلين "عاش دستور 23,. عاش دستور 23,."، بل إن أيمن نور، خلال حملته الرئاسية العام الماضي، لم يجد مخرجا في أن يدعو إلى عودة بعض بنود دستور 1923.
القاهرة الجديدة
بداية من صدور تصريح 28 شباط ـ فبراير 1922 وإلى قيام الحرب العظمى الثانية (1939 ـ 1945)، ثمة 17 عاماً، عرفها المؤرخون المصريون بـ"عصر الليبرالية" وفيها انضم المصريون كلهم ـ عدا عشرات الآلاف ـ إلى الوفد، ومن لم ينضم منهم إلى الوفد كان يعيش على مبادئه يقتات أفكاره، وشيخ الرواية العربية "نجيب محفوظ" كتب روايته الشهيرة "القاهرة الجديدة" ـ التي تحولت شريطاً سينمائياً شهيراً لسعاد حسني بعنوان "القاهرة 30" ـ ليسجل ملامح هذا العصر، الذي تبلورت فيه رؤية محفوظ ذاته لمصر الليبرالية. فإذا كان من المعلوم أن "كمال عبدالجواد" بطل الثلاثية الشهيرة هو المعادل الموضوعي لشخصية نجيب محفوظ ذاتها، فيكفي هذا لنعرف كيف تغلغل الانتماء الوفدي في شباب العشرينيات، حتى أن حادثا كوفاة سعد زغلول (1927) كان كفيلاً بالاستئثار بدموعه، في اليوم ذاته الذي توفى فيه زوج أخته وابناها الصغيران! فضلاً عن أن أخاه الأكبر "فهمي" سقط تحت نيران الاحتلال شهيدا لثورة 1919 وهو يهتف "عاش الوفد.. يحيا سعد"، وكمال وفهمي ـ على السواء ـ كانا ليبراليين، يتكلمان عن "أصل الإنسان" وعن الترجمة من اللغات الأجنبية إلى العربية وعن التداول السلمي للحكم، ويكرهان أي عودة للوراء!
وكل أبطال روايات محفوظ التي تناولت مصر ما قبل ثورة 1952، هم وفديون. بطل "الشحاذ" وفدي يبحث عن أصل الكون، ويصل في ليبراليته إلى إجازة الإلحاد، وبطل "السمان والخريف" وفدي منحرف، تكشف الثورة رشاواه وفساده حين كان مديرا لمكتب أحد الوزراء الوفديين الكبار، وبطل "خان الخليلي" أحمد عاكف أحد أبناء الطبقة الوسطى من الوفديين، ضاع مصيره بسبب تعدد مواهبه وضيق ظروفه، وجميعهم يتزعزع يقينهم بأي شيء، عدا الحرية، سواء كانت الحرية الضيقة بمفهومها السياسي المباشر أو الحرية التي تفضي بصاحبها إلى تأمل الكون كله!
وامتد تراث الليبرالية إلى العقاد وطه حسين عضوي حزب الوفد القديمين في العشرينيات. وقد ظل العقاد على وفديته حتى قيام ثورة تموز ـ يوليو 1952، لكن طه حسين انسحب غاضباً من الوفد، بعد أن تخلى عنه سعد زغلول في معركة كتابه "الشعر الجاهلي"، الذي وضعه في العام 1926 فثارت ثائرة الأزهر ضده، لأنه اتهم الشعر الجاهلي الحالي بأنه "منحول" وفهم عنه أنه شكك بلغة القرآن الكريم، وحول الأمر كله إلى النيابة العمومية ـ وكان رئيس النيابة وفدياً ـ فاكتفى بمصادرة الكتاب، ورفض سجن طه حسين، لكن الوفد وزعيمه لم يساندا عميد الأدب العربي، فانسحب من الحزب إلى الحزب المنافس "الأحرار الدستوريين"!
المهم أن مصر عرفت في تلك الفترة التي حكمها دستور 1923 أوسع قدر في قرنها العشرين كله من الليبرالية السياسية خصوصا والفكرية على وجه العموم!
المنشقون
على طريقة النبي إبراهيم، الذي كان قبل أن يهتدي إلى الله، يبحث عن رب يشبع غريزته الإيمانية النقية، فرأى الشمس فقال (هذا ربي) ثم القمر فقال "هذا ربي"، وتقلب وجدانه بين كل مظاهر الطبيعة تقريباً، وصاحب كلا منها لفترة بوصفه ربه، حتى وصل إلى ربه الحقيقي.
على هذه الطريقة تعاطى زعماء "الوفد" من العشرينيات إلى الآن مع التجارب الحزبية، وكانت ليبرالية الوفد هي الأرضية الحاكمة لكل تقلباتهم وانشقاقاتهم وانقلاباتهم!
فالانقلاب الأول صنعه المفكر محمد حسين هيكل مع سياسي أرستقراطي يدعى محمد محمود باشا، وقاد الانشقاق عن الوفد في ذروة شعبية الحزب في عهد سعد زغلول وكان شعارهما في الحزب الجديد الذي أسساه (الأحرار الدستوريين)، هو المزيد من الليبرالية. وروج الحزب لفكر ليبرالي أوروبي تماماً، نفر منه عموم المصريين ـ عدا ذوي الأصول الأرستقراطية ـ لا لطابعه الأوروبي وحده، بل أيضا لكون الحزب مغلقا على صفوة الطبقة العليا وحدها، غير مستمسك بخروج الاحتلال من مصر. أي أن ليبرالية الأحرار الأوروبية لم تشفع له عند مثقفي بقية الطبقات في المجتمع المصري، ما يثبت أن مطلب الاستقلال كان المرجح ـ شعبياً ـ لكفة الوفد، في مواجهة الأحرار!
وبعد وفاة سعد زغلول 1927، تولى أهم مساعديه (مصطفى النحاس) الحزب حتى تجميده في 1954. ويبدو أن النحاس أضاف بعدا ثالثا لتراث الوفد. فبعد أن قام الحزب على فكرتي الاستقلال والليبرالية، أضاف النحاس إليها فكرة "العروبة". سعد زغلول كان مصريا مبالغا في مصريته وأخذ عليه خصومه مقولته الشهيرة، حين سأله أحد الصحافيين المصريين عن جدوى الوحدة العربية فقال سعد عن هذه الوحدة "صفر + صفر + صفر = صفر". هذه المعادلة الصفرية للوحدة العربية ـ والتي كانت نقيصة سعد الرئيسية عند التيارات القومية ـ استبدلت تماما في عهد النحاس الذي كان صاحب فكرة إقامة جامعة الدول العربية (1945). فالنحاس أول من تبنى إقامة هذه الجامعة، وهو الذي رسخ للفكرة (العروبية) التي لاتزال سارية في (الوفد) إلى الآن، ووقف بقوة وراء تمويل بناية الجامعة الموجودة بميدان التحرير بقلب القاهرة الآن، وحمل الملك فاروق على تطبيق الفكرة واتخاذ القاهرة مقرا لفعاليات الجامعة ورئاستها.
وباسم الليبرالية انشق على النحاس كل من محمد عبدالهادي باشا ليؤسس ما سماه "الحزب السعدي"، قائلاً إن هذا الحزب هو حزب الليبرالية النقية التي دشنها سعد زغلول، واتهم النحاس بالانحراف عن مبادئ سعد. والغريب أن الحزب السعدي سرعان ما تحول إلى العمالة للقصر والاحتلال في الوقت الذي كان الوفد يواصل معركتى الاستقلال والليبرالية!
انشقاق آخر قاده المفكر والسياسي والأديب مكرم عبيد باشا نائب النحاس في الحزب، مؤسساً ما أسماه "حزب الكتلة الوفدية"، متهما النحاس بالتواطؤ مع القصر والاحتلال وبالفساد أيضاً. ولكن "الكتلة" الذي أسسه السياسي المسيحي الكبير انزوي وصار ورقة خاسرة لا وزن لها في الشارع المصري، حيث لم يطرح بدائل جديدة من ليبرالية الوفد.
ويبدو أن النحاس كان أكبر قبولا لخصومه داخل الحزب من سعد زغلول ذاته، بدليل أنه طبق هذه الليبرالية في تعاطيه مع جناح ظهر داخل الحزب بين 1947 و1952، ذلك الجناح الذى تزعمه الرائد النقدي الشهير محمد مندور وضم إليه جبهة عريضة من شباب "الوفد"، أطلقوا على أنفسهم "الطليعة الوفدية". هذا الجناح كان يمزج أفكار الوفد الليبرالية بنزعة اشتراكية، ورد النحاس عليهم بتدشين مشروع "القرش" الذي تبرع فيه كل مصري بقرش واحد لأخيه المصري (كان هذا القرش مجدياً في الأربعينيات!) ومشروع "الحفاء" الذي تبنى فيه النحاس شراء نعال وأحذية للمصريين الفقراء من حفاة الأقدام! ونجح النحاس في الإبقاء على الطليعة داخل حزبه دون انشقاق، وتقارب معهم وحاورهم ..
والمثير للدهشة أن نعمان جمعة كان واحدا من هذه الطليعة الوفدية، التي تربت على التعاطي مع الآخر، ومزج الأفكار للخروج بحلول حزبيه جيدة، لذا لمع اسمه في عهد الرئيس الثالث للحزب فؤاد سراج الدين (1984 ـ 1999) ثم ترأس الحزب بالانتخاب، إلى أن خلع منه في الأسبوع الماضي، وكانت أولى التهم الموجهة لعصر رئاسته للوفد هو "نفي الآخر"!!
ومثلما حدثت انشقاقات على الوفد القديم في عهدي سعد والنحاس قبل الثورة،حدث انشقاق رابع "الوفد الجديد" في عهد نعمان جمعة ـ رابع رؤسائه ـ على يد القيادي الشاب المحامي أيمن نور الذي زعم أنه يؤسس حزبه للعودة إلى ليبرالية سعد زغلول، لكنه اتخذ الشعار البرتقالي ـ رمز الفوضي الأوكرانية ـ وذهبت ريحه بعد أن اتهم بتزوير توكيل تأسيس الحزب، لينتهي سعيه بفضيحة سياسية كبيرة!
فكلما حدث انشقاق في الوفد كان الهدف المعلن دائما المزيد من الليبرالية لكن النتيجة الحاصلة على الأرض لا تكون سوى المزيد من الإخفاق، ذلك الإخفاق الذي بدا واضحا في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة، التي أظهرت أن المصريين ما عادوا يثقون بهذه الليبرالية العجوز، وربما فضلوا عليها اصولية "الاخوان" أو نفوذ نواب الحزب الحاكم، بخاصة بعد أن أظهر رئيس الوفد المخلوع كراهية شنعاء لكل مبادئ الليبرالية داخل حزبه!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
من الباشا سعد زغلول الى الدكتور محمود اباظه
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
لمسه حب وصدق :: المنتدى العام :: السياسه ودهاليزها-
انتقل الى: