ذكرني الرئيس اللبناني الجديد ميشال سليمان بالرئيس مبارك في أول عهده (حاجة كده من سبعة وعشرين عامًا) فقد طالب أو أمر الرئيس اللبناني في أسبوع حكمه الأول بإزالة جميع صوره التي علقها اللبنانيون في الشوارع والميادين وعلي الجدران، وكذلك جميع اللافتات التي تعلن مباركته وتأييده (ومبايعته)، هذا قطعًا تصرف محترم وديمقراطي جدًا من رئيس دولة عربية يعيد للذاكرة (التي يبدو أنها مطلوب أن تضعف) رائحة تلك الأيام الأولي للرئيس مبارك، حين وقف في خطابه الأول يكاد يدمع ويبكي عندما أتي علي ذكر الرئيس أنور السادات. وقال إنه لم يكن يتخيل أبدًا أن يخلفه ويعمل بعده، كذلك شخط ونهر المصورين الذين تدافعوا أمامه بالكاميرات والفلاشات يلتقطون صور الرئيس الجديد، فقال لهم كفاية تصوير بقي (تخيلوا الرئيس كان يقول كفاية في أول عهده) ثم ظل يردد بعدها أن الكفن مالوش جيوب، وكفاية مدتين قوي في منصب الرئاسة (تخيلوا مرة أخري الرئيس كان يقول كفاية في أول عهده)، مرت الأيام وها هي صور الرئيس مبارك في كل حارة في البلد، ولافتات المبايعات التي تطفح نفاقًا رخيصًا لا يتوقف من جدار لجدار، وضعوا مؤخرًا في الميدان المؤدي للأهرامات الثلاثة صورًا للرئيس مبارك في كل الجوانب، بحيث أينما تولِّ وجهك فثمة وجه الرئيس، كأنما الذين بنوا أهرامات خوفو وخفرع ومنقرع سخرة منذ آلاف السنين يبنون أهرامات جديدة علي قدهم من قماش وبلاستيك لرئيس واحد ووجه واحد وهذه المرة تطوعًا بالعبودية وليس إجبارًا علي العبودية، وهكذا انتقلنا من زمن العبودية القسرية إلي عصر العبودية التطوعية والاختيارية!!
لكن هل الصور والتماثيل تعبير عن حب الشعب للرئيس كما يمكن أن يقولوا للرئيس ويصدق طبعًا الرئيس؟ إذا كان الأمر تعبيرًا عن الحب - (ومن الحب ما قتل) - إلا أننا قد نسأل: وهل مئات التماثيل التي كانت لصدام حسين في طول العراق وعرضها وآلاف الصور الضخمة والمتضخمة للرئيس الركن صدام حسين التي كانت معلقة في كل حائط وجدار وشارع في العراق كانت تعبيرًا عن حب العراقيين لرئيسهم أم نفاقًا وجبرًا وقهرًا، وهل صور الرئيسين حافظ الأسد وبشار الأسد التي تطارد عين أي عابر سبيل في سوريا دليلاً علي حب الشعب السوري وغرامه برئيسه، ويبدو غريبًا فعلاً أن العرب لا يحبون رؤساءهم إلا بالصور والتماثيل، أليست هناك طرق أخري للتعبير (العربي) عن الحب والتدليل علي الغرام؟ أما الذي يجعل موضوع الحب والغرام هذا محل شك عميق - (لا أقول تهكمًا) - أنك إن رحت أي بلد محترم في مشارق الأرض ومغاربها من بلاد الهند والسند التي تركب الأفيال إلي بلاد الغرب الأوروبي والأمريكي التي تركب العرب، لن تجد صور رؤساء بلادهم معلقة في أي مكان، ولو حفيت في أمريكا كلها لن تجد تمثالاً لبوش أو لكلينتون قبله مثلاً، حتي بلاد الملوك سواء انجلترا أو هولندا أو إسبانيا لا تطاردك صور ملوكهم أينما حللت وفين ما رحت وجيت، إطلاقًا هذه بلدان سوية ومحترمة وليست فيها هذه التقاليد النفاقية العبودية، التي تفخر بها بلداننا العربية مهد ولحد الحضارة. كلكم تشاهدون مباريات كرة قدم أوروبية في كل ملاعب أوروبا، فهل تعثرتم مرة في صورة للسيد الرئيس الفرنسي أو لملكة انجلترا أو مستشارة ألمانيا في استاد كرة كلما أحرز الفريق هدفًا ركزوا الكاميرا علي صورة الرئيس كأنه الذي أحرز الهدف ! هذه المأساة والملهاة لا تجدها إلا في الدول العربية التي تفدي رؤساءها دائمًا بالروح والدم لغاية ما روحها طلعت ومبقاش عندها دم!!