لا يبدو أن أحدًا اندهش أو انزعج أو شعر بالإهانة لأن تقريرًا موثقًا وهو «تقرير التنافسية» الذي استند إلي عدد من التقارير الدولية قد وضع مصر في الترتيب الـ130من بين الـ 131دولة، من حيث كفاءة العمل !
صدر التقرير وتم نشره وإذاعته، ولم يخجل مصري واحد مما فيه !
عن نفسي لم أشعر بأي خجل ولا صدمة، فالحقيقة أن هذا الترتيب فيه مجاملة رهيبة لمصر، فنحن بلد لا يستحق أساسًا أن يوضع ــ حين نتحدث عن كفاءة العمل ــ في قوائم الدول ولو في المركز قبل الأخير، كفاءة إيه وفين دي؟ طبعًا أنا لا أتحدث لا سمح الله عن الاختراعات والاكتشافات ولا عن التصنيع ولا التكنولوجيا ولا السوفت وير ولا صناعات السلاح والذرة والدواء، والكلام الذي لا يجب أن نحشر أنفسنا فيه مع ما نحن فيه من تراجع، فقط أتكلم عن العمل، أي عمل من السياسة إلي السباكة، ومن التجارة إلي النجارة، الساسة الذين يحكمون هذا البلد بمنتهي البلادة، وأسقطوا مصر من مكانتها السامقة إلي الدرك الأسفل في قوائم الدول، سياستهم قائمة علي التزوير المفضوح والفج بدلاً من الانتخاب المفتوح الحر، علي احتكار السلطة بدلاً من التنافس الشريف، علي الخصومة الفاجرة بدلاً من عدالة القانون، القانون نفسه يتم تشريعه بطريقة رديئة وفاشلة، ثم يرقعونه حين يعدلونه، الدستور ذاته أدخلوا فيه بمنتهي الغشامة مواد ثم سرعان ما عدلوها علي نحو أردأ وأسوأ، حتي ضباط الشرطة الذين يعذبون المواطنين يعذبونهم بمنتهي الغباوة، حتي إنهم يتركون آثارًا تفضحهم وتكشفهم، حتي لصوص الشوارع والبيوت بيسرقوا بعفانة، والقتلة بقوا يقتلوا بعبط وبلاهة ووحشية معًا، وليه لأ، خلاص كله غابت عنه الكفاءة والإتقان، ولم يصبح أحد معنيًا بهما أصلاً، حكام أغرقوا البلد في ديون مذلة «670مليار جنيه دينًا داخليًا و32 مليار دولار دينًا خارجيًا» ومش عايز مئات الألوف من المواطنين يعجزون عن سداد شيكات الأقساط للبنوك، حين يقول تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات إن تسعين في المائة من مشروعات الحكومة تتم بدون دراسات جدوي، أليس طبيعيًا إذن أن تفلس شركات، وتشهد مصر مليون تفليسة من تجار في السنة، وتجد آلاف المحال التجارية تغير نشاطها بدل المرة عشرة لفشل كل نشاط وإفلاسه؟! طيب إذا تأملت الكباري والطرق الدائرية في مصر التي يتم بناؤها، ثم هدمها لأنها تشمل عيوبًا هندسية، ثم يعاد بناؤها، ثم يتوقف العمل بها لأنها غير صالحة، ألا يبقي طبيعيًا ــ وحال مشروعات الحكومة علي هذا النحو ــ أن تنهار عمارات ومساكن الأهالي، وأن يكون مهندسو الأحياء في المدن مشارًا لهم دومًا بأصابع الاتهام، أليس هذا كله دليلاً علي وطن لم يعد يتقن عمله، بل الأنيل أنه لم يعد يتقن حتي فساده، فإذا أفسدوا فسدوا فسادًا مكشوفًا وظهروا في حالة تلبس، حتي مليارديرات المال عندنا في مصر لا عرفوا العمل ولا أتقنوه، فهم في هذه المكانة المالية لأنهم موظفون لدي رجال الدولة وشركاء لهم ولأولادهم وأصهارهم، وكونوا ثرواتهم بالتواطؤ بينهم وبين مسئولين سهلوا وتوسطوا وأفسدوا لهم وأفسدوا معهم، ثم هم يحمون بالسياسة أموالهم ويدعمون الساسة بأموالهم، والأموال نفسها جاءت بصفقات تحيطها الشبهات وفي خبطات مدبرة في ليل بهيم بين الكبار من أجل تقاسم المغانم والغنائم، طبيعي إذن وعادي جدًا أن تنهار قيمة العمل في البلد كله، فالشعب علي دين ملوكه وحكامه، فالفهلوة سيدة الموقف، والعبث والعشوائية في كل صناعة والرشوة والفساد والإفساد في كل موقع، مدرسة.. جامعة.. جامع.. كنيسة.. تليفزيون.. جورنال.. مصنع.. مصلحة حكومية.. سجون.. محاكم.. مجالس تشريعية.. هيئات.. وزارات، كلنا في الهم واحد، كلنا ناس لا تعمل، وإن عملت لا تتقن. يا أخي دا أنت تحمد ربنا إنها جاءت علي قد الـ130 من أصل 131دولة في كفاءة العمل..!