ظهر شرخ في جدار بيتكم، اكتشفتم الأمر فانتشر فيكم أول يوم إحساس رهيب بالفزع، وثاني يوم بدأ كل واحد يسأل: ماذا يمكن أن نفعل؟ وبدأت الخطط للبدائل، ثالث يوم اكتشفتم أنه من الصعب - إن لم يكن من المستحيل - أن تغادروا البيت لأن الخروج منه يعني الخروج إلي المجهول والضياع، رابع يوم أحسستم بالحزن وصعبت عليكم أنفسكم، خامس يوم بدأتم تتوقعون أن ربنا سوف يستر ولن يحدث شيء سيئ بإذن الله، سادس يوم بدأتم تتجاهلون الموضوع ولا تأتون له بسيرة، سابع يوم كنتم تنظرون للشرخ وكأنه لا يعني أي شيء، من ثامن يوم مشيت الحياة طبيعية ونسيتم الشرخ.
هذا بالضبط ما يمكن أن أسميه التعايش، نعم التعايش مع المصيبة وهذه أهم سمة فينا كمصريين، قدرتنا الفذة علي التعايش مع المصيبة، الأصل في الأشياء أن نواجه المصيبة ونحاول أن نجد لها حلاً ونقاومها ونحاول أن نغيرها ونعدلها ونبدلها ونزيحها عنا.. لكن المصريين يجربون حلاً تاريخيًا مدهشًا وهو أن يعيشوا مع المصيبة، كمن وجد جثة علي السرير فقرر أن ينام بجوارها بدلاً من أن يدفنها.
وهكذا قررنا أن نتعايش مع الفقر ونحاول أن نتعامل معه علي أنه قَدَر لا يمكن نغيره، وهكذا نتعامل مع القهر في مجتمعنا من أول المدرس الذي يفرض علينا دروسًا خصوصية أو المدرسة التي تمص دمنا رسومًا أو تبرعات إلي زحام المرور الخانق الذي تحول إلي فوضي، وإلي انهيار الآدمية في ازدحام الأتوبيس، إلي الفكهاني الذي يغشنا في الفاكهة، إلي رئيسنا في الشغل الذي يستغلنا، إلي الموظف الذي يرتشي منا، إلي الحكومة اللي مطلعة دينا، إلي الوزارة التي تسرقنا، إلي الدولة التي تعاملنا كأننا حشرات تحت البوتاجاز ليس لنا إلا الرش، ثم الضابط الذي يبهدلنا في القسم أو في الكمين، ويرميك في الحجز بتهمة الاعتداء عليه أثناء تأدية عمله، حيث إن عمله هو أن يهزأك، إلي أي شخص عابر يقولك ابعد عن هنا ياله فتبعد ، إلي موكب السيارات الرسمية السوداء التي تعطل الطرق كي يعبر الباشا ونحن نقف في الإشارة معطلين عن الحياة عريانين من الكرامة ثلاث ساعات، ثم ابن الرئيس الذي يريد أن يأخذ مصر هدية باعتبارها لعبة «بلاي ستيشن» بتاعته اللي بابا جابها له من فرنسا وهو راجع من السفر، ثم أمريكا التي تذلنا إلي العلاج الكيماوي وأكل الكيماوي والفشل الكلوي والفشل في الحصول علي وظيفة، إلي إسرائيل التي تغتصبنا إلي الدول العربية التي ترفض المصريين لأنهم حاملو فيروس «سي».
وخلاص
كل هذا كنا نعتقد في الأول أنه مصائب، شرخ في الحيطة سوف تسقط العمارة علي إثره ثم عجزنا عن أن نفعل شيئاً فعملنا مش واخدين بالنا ونسينا المصيبة وتعايشنا معاها، يعني نمنا مع الجثة ولا مؤاخذة وماله ما الظروف تحكم.
والمشكلة أننا فعلاً نصدق أن هناك طرفين فقط في الحياة يحكماننا.. الحكومة تحكم، والظروف تحكم أما نحن فلا نحكم أبداً، علينا فقط أن نتعايش لا أن نعيش، علينا أن نتجاهل ويستحسن أن نجهل، علينا أن نسكت ويفضل أن نخرس.
هذا أصل الداء؛ إننا لا نواجه بل ننخ ونخضع ونتعايش، الشعب المصري يشبه الرجل الذي ركب سيارة يقودها سائق، وسارت السيارة ولم يسأل السائق الراكب إلي أين تريد أن تذهب، ولم يقل الراكب للسائق إلي أين يريد أن يذهب، ومع ذلك السائق ساق والراكب راكب وأهي ماشية«!!».