متي يصحو جمال مبارك؟

لا أعرف في أي مكان في الفضاء بالضبط يسكن جمال مبارك؟

هل في فيلا بالمريخ أم قصر في زحل؟

فالحقيقة أن الرجل الذي تحدث في مؤتمر صحفي عن استقرار وقوة الاقتصاد المصري في ظل الأزمة المالية الدولية رجل لا يعيش بيننا، إنه يعيش فوقنا!

ظهر في مؤتمر صحفي بدا فيه أنه يطمئن نفسه قبل أن يطمئن أصدقاءه من رجال الأعمال والمال، فقال كلامًا عامًا وعائمًا، مثل أن وضع مصر الاقتصادي مطمئن وزي الفل ولا تأثير عليه من الأزمة المالية الطاحنة التي تعصف بالعالم كله!

يبدو أن جمال مبارك هو حاكم مصر الحقيقي والفعلي ورئيسها التنفيذي، بدليل أنه هو الذي تكلم وليس غيره، بل وقف بجواره الوزير رشيد محمد رشيد فظهر مثل المواطن الذي يصر علي الوقوف خلف لاعبي الكرة أثناء تصريحاتهم بعد المباراة فلم يقل وإن أشار وإن ابتسم.

والغريب أن موقف مصر المالي وموقع مصر الاقتصادي من المفترض أنه شأن من شئون وزير المالية ووزير الاستثمار اللذين غابا عن المؤتمر وتولي بطولته جمال مبارك، حيث تكلم بكل أدوار الممثلين باعتباره بطل الفيلم وابن المنتج، ورغم أن الأزمة المالية أحرقت الجسم المالي والاقتصادي لمعظم بلدان العالم القوية والعتية، بل ووصلت إلي أعتاب دول مثل الصين وروسيا وهما من الدول غير المرتبطة بحمي الرأسمالية الغربية، إلا أننا نفهم من كلام أمين السياسات أن «مصر مبارك» تتمتع بحصانة مالية ومتانة اقتصادية تمنع عنها التأثر، لكنه لم يقل أكثر من كله تمام ومية مية وإحنا عاملين حسابنا ولولا أننا أصلحنا الاقتصاد من أربع سنوات كنا ضعنا «لاحظ أربع سنوات وهي المدة التي انفرد فيها جمال مبارك بحكم مصر اقتصاديا علي الأقل وجاء خلالها برجالته من شلة أصدقائه ووضعهم علي مقاعد المسئولية ليعيثوا في مصر اقتصادا!»

جمال مبارك يقول ـ أو بالأحري يزعم ـ إن تدخل الحكومات الغربية في الاقتصاد والإجراءات المالية وتأميم دول أوروبية للبنوك ومؤسسات مالية إنما هو إجراء مؤقت، وبصرف النظر عن جمال علام الغيوب فإنه في الحقيقة يخشي الاعتراف بأن أساتذته فشلة وأن معلميه الذي جرب فينا دروسهم أغرقوا بلادهم، لكنهم يتميزون عن جمال مبارك بما لا يملكه جمال ولا نظامه ولا حزبه وهو فضيلة الاعتراف بالخطأ والرجوع عن الخطيئة، هم يحترمون شعوبهم ويقدرون مسئولية الأوطان ويعرفون أن هذه الجماهير سوف تحاسبهم وتسائلهم وتعاقبهم علي أنهم أجرموا، وإذا لم يتداركوا جرمهم، فسارعوا بالمراجعة والتراجع، ونزلت الرأسمالية المتوحشة من برجها العالي وخضعت للواقع وركعت للحقيقة وصرنا نري كتابات ودراسات تؤكد فشل الرأسمالية المتوحشة بشكلها المفتوح علي البحري وانهيار نظرية تخلي الدولة عن توجيه الاقتصاد ونزع الملكية العامة عن البنوك والمصانع الكبري وفشل عدم مراقبة القطاع الخاص والتهاون في ضبط توحش المؤسسات المالية الخاصة،

هذه الإجراءات كلها تكشف عوار ما فعله جمال مبارك من اندفاع هوسي لتسليم مصر لحفنة من أصدقائه رجال الأعمال ولشركات القطاع الخاص ولمندوبي الشركات والتوكيلات الأجنبية في مصر «الذين هم للمفاجأة مجموعة من العائلات لهم ممثلون وزراء في الحكومة وقيادات في أمانة السياسات وعدد لا بأس به من الأصهار وأقارب الأصهار»، أمانة جمال مبارك مع نفسه غير أمانته مع وطنه غير أمانته مع حزبه، يبيع ممثلو جمال مبارك في الحكومة كل شيء في البلد، كل شيء، من أراضي الدولة التي انفتحت لشركات عقارات مصرية وعربية ودولية «سوف نلبس كلنا في الحائط بسببها كما حدث في انهيار العقارات في أمريكا» وكذلك بيع البنوك العامة للمستثمرين من الأصدقاء ومن الوزراء، وفي الوقت نفسه يتم تأميم بنوك في أوروبا وتجري تدخلات حكومية جذرية في المؤسسات المالية الخاصة في أمريكا، بينما الأخ جمال يطمئننا أن بيع البنوك العامة في مصر أمر طبيعي ومفيش مشكلة، جمال مبارك الذي أوشك علي أن يلغي الدعم قبل أزمة ارتفاع الأسعار بأيام يثبت لنا قوة بصيرته حين يبيع أراضي الدولة مع انفجار فقاعة الرهن العقاري في العالم ويبيع بنوك مصر أثناء انهيار وإفلاس البنوك الخاصة في أمريكا والعالم!

ياربي أي عقلية فذة وبصيرة نافذة تدير هذا الوطن!

أول ما يثير انتباهك أن جمال مبارك غير منتبه، فيخرج واثقا كأنه آدم سميث شخصيا صانع نظرية الرأسمالية يطمئن المصريين أن كله تمام!

والحقيقة أنه لم يعد هناك أي أمل إلا أن يصحو جمال مبارك من حلمه أو يصحو الشعب المصري من كابوسه!!