إنت فاكر عبلة كامل في رائعة لينين الرملي ومحمد صبحي «وجهة نظر» عندما كانت شبه كفيفة تقرأ ورقة ظنوها مستندًا يدين الفاسدين، فأخذت تقرأ أول حرف في الكلمة فتقول ب ثم تتراجع وتقول يمكن ث أو ت، هذا بالضبط ما تعيشه وأنت تحاول أن تقرأ ما فعلته الحكومة في حادثة الدويقة، ومن الذي اتخذ قرار حصار الدويقة بمئات الجنود من قوات الأمن المركزي، ومنع الإعلام والصحفيين من الاقتراب منها وتصوير ما يجري فيها؟
الذي ينفذ القرار هم رجال الشرطة، إذن لابد أنه قد صدر أمر من السيد اللواء وزير الداخلية للسيد اللواء مساعد وزير الداخلية بحصار الدويقة ومن ثم حاصروها، لكن هذا قرار سياسي وليس قرارًا أمنيًا، فليس من السهل أن يتخذه وزير الداخلية وحده منفردًا، ربما يكون قد اقترحه أو عرضه علي.. آه علي مين؟
هنا نعود للسؤال: مَنْ صاحب هذا القرار؟
هل جاء القرار من مؤسسة الرئاسة حيث كلم دكتور زكريا عزمي وزير الداخلية علي التليفون الأحمر الخاص وقال له اعمل فعمل؟ ولكن أهو قرار من عنديات دكتور زكريا؟ أم أنه صادر عن الرئيس شخصيًا؟
المفروض كي يتخذ الرئيس قرارًا فهناك مدخلات من المعلومات والبيانات تصل إليه ومن ثم يأخذ القرار، لكن شعار المحيطين بالرئيس هو «محدش يزعل الريس» فأغلب الظن أن الرئيس يتلقي البيانات المطمئنة حتي لو غير حقيقية بل لو مزورة، أو علي الأقل لا يقدم له أحد بيانات تثير غضبه وانفعاله الذي لا يضمن أحد ح يوصل لغاية فين؟
ولما كان السيد الرئيس لا يتلقي أخبارًا إلا طيبة ورقيقة، ولما كان مؤكدًا أنه لا يقرأ الصحف الخاصة، ويتم عرض تقارير صحفية منتقاة ومخففة بل ولطيفة للرئيس، وقد يقرأها وقد لا يقرأها ومن ثم فهو يطلع - إن اطلع بنفسه - علي الصحف الحكومية والتي عالجت قضية الدويقة كأنها حادثة شغب ملاعب، الرئيس إذن لم تهزه صور، ولا استاء من تقارير صحفية، ولا تأثر بمقالات معارضيه، ولا يشاهد إلا برامج الإعلام الحكومي الذي أشاد بالرئيس وبتدخل الحكومة في مأساة الدويقة، وهو ما يستبعد أن الرئيس صاحب قرار إبعدوا الصحافة والإعلام عن الدويقة، أقول يستبعد، ولكنني لا أستبعد شيئًا في هذه الدولة، فكل الاحتمالات واردة بما فيها أي احتمال غير وارد!!
إذن هل من الممكن أن يقف وراء هذا القرار جمال مبارك، ليه؟ فالرجل لا يقرأ مثل أبيه الصحف التي تغضبه، كما أنه لا يشاهد قناة الجزيرة التي تقلقه، كما أنه مشغول في اللعب في الدورة الرمضانية الكروية، لكن احتمال أنه تأثر بالتقارير التي يقدمها له مكتبه (لو كان له مكتب فأنا لا أعرف).. أو تقارير الدببة التي تحبه لدرجة أنها تقتل مستقبله السياسي، ونصحته بأن يمنع الإعلام عن الدويقة فانتصح، وأمر فاستجاب الجميع!
ربما تقارير الصحافة الأجنبية وتحديدًا الأمريكية والإسرائيلية وأخبار المحطات التليفزيونية الدولية هي ما أثارت أصحاب الشأن والشأو في قصر الرئاسة، فلجأوا للحل الأسهل وهو.. امنع.. اقفل.. حاصر!
جائز جدًا وجائز لأ (رجعنا إلي يمكن ب ويمكن ث أو ت) لكن من ناحية، هذا قرار يذكرني بابنتي حبيبتي فاطمة حين تخبئ رأسها في المخدة معتقدة أنني هكذا لا أراها وأستهبل أنا وأسأل: هيه فاطمة فين؟ فتقوم تضحك وتقفز أمامي بخ كأنها استخبت مني، ومن ناحية أخري، فهو قرار يكشف يا للهول أن صاحبه يدرك أن مشاهد الدويقة عار علي حكام مصر، وإذا كان هناك شيء إيجابي في هذا كله فهو أننا عرفنا أن رجال الحكم بيخافوا من صور العار.. كويس والله.. أنا كنت يئست إنهم بيحسوا!